» » كتاب داروين مترددا ديفيد كوامن

كتاب داروين مترددا
تأليف ديفيد كوامن

تأتي فرصة النجاح مرة واحدة، فإن لم تكن أعددت نفسك لها راحت عليك. هذه خلاصة خلاصة الكتاب. فلو لم يكن داروين "شابّاً لاهيًا فارغًا، لا يهتم إلا بصيد الطيور والإمساك بالجرذان" -كما كان يصفه أبوه- لما أحسن استغلال الفرصة التي جاءته على متن سفينة بيجل. بدأ إبحاره على متنها شاباً قليل الخبرة، لكن سرعان ما صار تدريجيًّا عالمًا منهجيًّا ثاقب الفطنة، ليعود إلى بريطانيا بعد أربع سنوات وتسعة أشهر رجلا آخر بفكر آخر.
أغفل الكاتب هذه الرحلة في كتابه وانكب محدثا عن مغامرات داروين الفكرية التي تلت عودته، أو ما عبر عنه في العنوان على أنه "تردد داروين". تردد خِلْتُه -قبل أن أقرأ الكتاب- تردداً بشأن صحة النظرية، أو خوفا من الزلزال الذي يمكن أن تحدثه نظرية بهذا الحجم. لكنه لم يكن كذلك، فداروين لم يساوره الشك لحظة مذ ظهرت النظرية جلية أمام عينه، ولم يكن أيضا من النوع الذي يهتم كثيراً لما يمكن أن يحدث.
كان التردد في حقيقة الأمر بحثا منه عن إنتاج نظرية كاملة، لا يرد فيها عليه إيراد، فكان كثيراً ما ينكب على دراسة بعض الكائنات مثل البرنقيلات، أو كان يطلب عينات أو إفادات بشأن كائنات من أناس متخصصين. كان تردده إذن بحثاً عن الكمال.
ظل داروين متردداً/ باحثاً عن الكمال، إلى أن برز على الساحة منافس، ليحث داروين مرغما على إخراج كتابه أصل الأنواع. نعم، إنه منافس شاب يدعى ولاس. حظي هو الآخر برحلة على متن السفينة هيلين إلى الأمازون، ثم بعد ذلك –في رحلة أخرى- إلى "أرخبيل الملايو"، المعروف حاليا بإندونيسيا. ليتسلح بقوة الملاحظة وبمذكرات داروين ليصل إلى ما وصل إليه هذا الأخير.
لكن المؤثر في علاقة الرجلين هو الموقف الذي بدر من داروين –ولمَّا يَكُنْ بَعْدُ قد أصدر كتابه- بعد أن أرسل إليه والاس ببحث يعلن فيه توصله إلى ما وصل إليه ويلتمس منه أن يبعث البحث للنشر. قال داروين حينها لصديقه، الذي هو سير تشارلز ليل (أبرز علماء الجيولوجيا في بريطانيا)، والذي وافق أيضا أنه المراد من والاس لينشر بحثه:" لقد تحققت كلماتك، مصحوبة بانتقام، وهو أنني ينبغي أن أشهد على سبق غيري علي". ثم قال له داروين : "إنه مرفق بالرسالة مخطوطة سألني والاس أن أرسلها لك. وهي تستحق القراءة تمامًا". ثم أضاف في تجهم: "إنها أيضًا أقرب شيء لأن تكون ملخصًا لنظريتي الخاصة". كان الحل الذي ركن إليه ليل، أن ينجز داروين بحثا ويقرأ جنبا إلى جنب مع بحث والاس، لأنه كان يعرف جيدا أن داروين هو السباق ولم يكن من اللائق تجاهله. أيا كان تصرف ليل، فهو لا يخفي بحال أمانة داروين.
رغم أن داروين رسم ملامح الانتقاء الطبيعي كآلية لاختيار الصفات المناسبة، ونقلها إلى الأجيال القادمة، إلا أنه كان عاجزا عن تفسير الآلية التي تُحْدِث المتغايرات بين أبناء الصنف الواحد. في الواقع كان مندل في ذلك الوقت يحضر جزءاً من الإجابة، بتجاربه على البازلاء، وباكتشافه لقانونيه للوراثة، لكنها لم تسترع انتباه أحد، ربما لأنه -وكما قال الكاتب- كان سابقا لعصره.


عن فريق الموقع

إبتدائية الجزائر جزء من شبكة نور الجزار نسعى إلى جمع و ترتيب أكبر قدر ممكن من المحتوى التعليمي المتميز
»
السابق
رسالة أقدم
«
التالي
رسالة أحدث

ليست هناك تعليقات :

ترك الرد